Thursday, March 17, 2011

الفعل... والفعل المضاد



لقد ترقب الشعب الفلسطيني بفارغ الصبر وحبس للأنفاس لقدوم الخامس عشر من آذار لعل الحالة الفلسطينية تلتئم من حالة التشرذم التي تمر بها عشية الإنقسام الفلسطيني، والذي، بلا شك، أضر كثيراً بالقضية الفلسطينية وترك المجال واسعاً للأعداء لينهشوا من الأرض والبشر. جاء الخامس عشر من آذار ونزل الآلاف من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الشوارع رافعين حناجرهم ومنددين بالإنقسام.
ولكن ما حدث في غزة قد تميز بخصوصية لما تبعه من أحداث. وكان أبرز هذه الأحداث ما يلي:
- إن المراقب لإعتصام الشباب يوم الرابع عشر من آذار في الجندي المجهول والخامس عشر من آذار في أرض الكتيبة يدرك بأن هناك عدة مجموعات شبابية تقود الحملة الشعبية، وكل مجموعة تريد أن تخطف الأضواء لصالحها. أنا أعي أهمية الحشد الجماهيري بكل طوائفه، ولكن بإعتقادي أن هذا الجهد الكبير كان يمكن أن يؤتي ثماره بصورة أفضل لو كانت الجهود موحدة.
- كان نزول عناصر حركة حماس بالرايات الخضراء في شوارع غزة خطأ لا يغتفر، حيث أن حماس تعلم أن الشعار الرئيسي للحملة الشعبية هو العلم الفلسطيني تحت شعار "إنهاء الإنقسام". ولعل السبب في ذلك هو معرفة حماس المسبقة بحجم التعبئة الجماهيرية في قطاع غزة للحملة، وبالتالي لم تكن ترغب أن تبقي نهاية الركب. أنا أعتقد بأنه لو نزل عناصر ومناصري حركة حماس بالعلم الفلسطيني لكن الموقف يصب أكثر في صالحهم وبالتالي يحرجوا الأطراف الأخرى.
- إن لجوء الشباب إلى أرض الكتيبة هو بمثابة حركة منظمة من أجل التفرد بقيادة الحملة الشعبية لإنهاء الإنقسام، وبالتالي لا تستطيع باقي الأحزاب والتيارات السياسية من خطف هذه الجهود الشبابية لإنهاء الإنقسام. ولكن الناظر لمجريات الأحداث في أرض الكتيبة يدرك بأن الجهود المنصبة هناك كانت جهود مبعثرة وبلا تنظيم أو قيادة. أستطيع أن أوصف ما كان يجري بأنه عبارة عن متنفس للحرية والتعبير أكثر منه عمل منظم، كما شابه كثير من التقليد لثورات عربية أخرى برزت في الشعارات والتعليقات، وهذا أفقد حالة التفرد والإبداع لدى هؤلاء الشباب.
- في الساعات الأخيرة من نهار الخامس عشر من آذار بدأت الجماهير في قطاع غزة بالتوافد إلى أرض الكتيبة، وبدأ عدد الخيام بإزدياد، ولم تكن ترى سوى العلم الفلسطيني في منظر يشرح الصدر ويسر الناظرين. أعتقد أن الحكومة الفلسطينية في غزة بدأت تشعر بأن الأمور تؤول تدريجياً إلى فقدان السيطرة حيث أن الأعداد تزيد، فما كان منهم سوى إنهاء هذا التجمع بأي شكل من الأشكال. نزلت القوات الأمنية إلى أرض الكتيبة وبدأت تضرب وترعب الجماهير المحتشدة بطريقة عنيفة في محاولة لفرض هيبتها على الأرض لتقول أن لا صوت يعلو فوق صوت حركة حماس. كثير من الصحفيين والشباب والفتيات تعرضوا للضرب دون أدنى إعتبار لحرية تعبير أومهنة صحفية. أعتقد أن هذا الفعل يفقد حركة حماس كثيراً من شعبيتها على الساحة الفلسطينية، ويضعف الإيمان في صدق نواياها بإنهاء الإنقسام. الأهم من هذا كله أن هذا الفعل يزيد من حالة الإحتقان على الساحة السياسية.
- في السادس عشر من آذار قامت قوات الشرطة والأمن الفلسطيني في غزة بالإعتداء على الطلاب والطالبات في جامعة الأزهر وجامعة القدس المفتوحة، وهذا يعتبر تعدي واضح على حرمة الأماكن التعليمية بالإضافة إلى أنه نوع آخر من الإعتداء على حرية الرأي والتعبير. إن هذا السلوك لا ينم عن ممارسة حقيقية للعملية الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني ويجعلنا أكثر بعداً عن المدنية.
أنا أعتقد بأن ما حدث في غزة وما تبعه من أحداث على أثر الحملة الشعبية لإنهاء الإنقسام هو مؤشر بأن حركة فتح وحركة حماس بعيدتان عن النوايا الصادقة والمخلصة من أجل إنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الفلسطينية. أدعو الله عز وجل بأن يهدي الطرفين ليحكموا ضمائرهما وأن يتقوا الله في الشعب وفي فلسطين لأهنا أكبر منا جميعاً.